وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ مَنْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ إِذَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ لَحِقَهُ الْوَعِيدُ
وقوله: ومأواه جهنم لا يدل على التخليد، ومعناه: أن مرجعه إليها إلى وقت الرحمة والشفاعة، قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17] قال الكلبي: بالملائكة: جبريل ومن معه.
وقال أهل المعاني: لأن الله تعالى تولى نصرهم بأن شجع قلوبهم، وألقى الرعب في قلوب المشركين.
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] قال المفسرون: إن جبريل قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العرش فأخذ قبضة من حصبة الوادي، فرمى بها وجه القوم وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا دخل عينه منها شيء وشغل بعينه فكان ذلك سبب هزيمتهم.
قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن كفا من حصباء لا يملأ عيون ذلك الجيش الكبير برمية بشر، وأنه تعالى تولى إيصال ذلك إلى أبصارهم فقال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] .
{وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا} [الأنفال: 17] ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والمثوبة، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} [الأنفال: 17] لدعائكم، عليم بنياتكم.
قوله: ذلكم أي: الأمر ذلكم الذي ذكرت، {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 18] بإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم، قال ابن عباس: يقول: إني قد أوهنت كيد عدوكم حتى قتلت جبابرتهم وأسرت أشرافهم.
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19] قوله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] قال ابن عباس: إن أبا جهل قال يوم بدر قبل القتال: اللهم انصر أفضل الفريقين وأكرم الدينين، وأرضاهما عندك فنزلت هذه الآية.
قال عبد الله بن ثعلبة: كان المستفتح أبا جهل، وإنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا يعرف، فافتح عليه الغداة، فأنزل الله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] إن تستنصروا لأهدى الفئتين فقد جاءكم النصر، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والسدي، والضحاك.