لطلب عير قريش، وكره ذلك طائفة من المؤمنين لأنهم علموا أنهم لا يظفرون بالعير عفوا دون قتال، فذلك قوله: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] يعني: كراهة الطبع التي تلحق في السفر والقتال، ومعنى الكاف في كما قال الفراء، والزجاج: أي: امض لأمر الله في الغنائم كما مضيت لأمره في الخروج وهم له كارهون.
قال الزجاج: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] ، {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال: 5] ويكون التأويل نفل من شئت وإن كرهوا، كما أخرجك ربك من بيتك وإن كرهوا.
قوله: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ} [الأنفال: 6] قال المفسرون: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه خرجوا لطلب عير قريش، فمنعت قريش عيرها بالنفير فالتقوا وأمروا بالقتال، ولم يكونوا أعدوا له أهبة فشق ذلك عليهم، وقالوا: هلا أخبرتنا فكنا نعد له.
وجادلوه طلبا للرخصة في ترك القتال، إذ كانوا رجالة ولم يكن فيهم إلا فارسان فخافوا، فذلك قوله: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: 6] أي: لشدة كراهتهم للقتال كأنهم يساقون إلى الموت عيانا.
قوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} [الأنفال: 7] يعني: العير والنفير، وقال قتادة: الطائفتان إحداهما: أبو سفيان أقبل بالعير من الشام، والطائفة الأخرى: أبو جهل معه نفير قريش، وقوله: أنها لكم يدل على إحدى، {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7] أي: تودون أن الطائفة التي ليس فيها حرب ولا سلاح وهي العير تكون لكم، والمراد بالشوكة: السلاح، {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ} [الأنفال: 7] يظهره ويعليه، {بِكَلِمَاتِهِ} [الأنفال: 7] بعِدَاتِهِ التي سبقت من إظهار الدين وإعزازه بقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] ، {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7] يستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد، يعني كفار العرب.
ليحق الحق أي: يقطع دابرهم ليحق الحق بإظهاره وإعلائه أمره، ويبطل الباطل بإهلاكه وافنائه على كره من المشركين، وهو قوله: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8] .
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ {9} وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {10} إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ {11} إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ {12} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {13} ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ {14} } [الأنفال: 9-14] قوله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9] أي: تطلبون منه المعونة والغوث، قال المفسرون: تستجيرون به من عدوكم وتدعونه بالنصر عليهم.