وإتباع الهوى تغيير النعمة عليه والانسلاخ منها، ومن الذي يسلم من هاتين الخلتين إلا من عصمه الله، ثم ضرب الله له مثلا فقال: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176] يقال: لهث الكلب يلهث لَهْثا ولُهاثا.
إذا دلع لسانه، قال مجاهد: هذا مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به، والمعنى: أن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر، وإن تركته لم يهتد، فالحالتان عنده سواء كحالتي الكلب فإنه إن طرد وحمل عليه بالطرد كان لاهثا، وإن ترك وربض كان لاهثا، وذلك أن بلعم زجر ونهي عن الدعاء على موسى، وخاطبته أتانه التي كان يركبها بذلك، فلم ينزجر ولم ينتفع بالزجر، وهذا التمثيل لم يقع لكل كلب وإنما وقع بالكلب اللاهث، وذلك أحسن ما يكون وأبشعه.
ثم عم بهذا التمثيل جميع من يكذب بآيات الله فقال: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف: 176] وقال ابن عباس: يريد أهل مكة كانوا يتمنون هاديا يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله، فلما جاءهم من لا يشكون في صدقه كذبوه، فلم يهتدوا لما تركوا ولم يهتدوا لما دعوا بالرسول والكتاب.
وقوله: فاقصص القصص قال عطاء: قصص الذين كفروا وكذبوا أنبياءهم، لعلهم يتفكرون: يتعظون.
قوله: ساء مثلا يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح، قال ابن عباس: يريد: بئس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا.
قال الزجاج: وتقدير الكلام: ساء مثلا مثل القوم، ثم حذف المضاف وانتصب مثلا على التمييز، وساء ههنا بمنزلة بئس.
{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [الأعراف: 178] من يتول الله هدايته فهو المهتدي، ومن يضلل: من أضله الله وخذله، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 178] خسروا الآخرة ونعيمها.
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179] قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} [الأعراف: 179] الآية: أخبر الله تعالى أنه خلق كثيرا من الجن والإنس للنار، وهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة، ومن خلقه الله لجهنم فلا حيلة له في الخلاص منها.
373 - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ الْقَطَّانُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ