تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {103} } [الأنعام: 100-103] قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} [الأنعام: 100] المراد بالجن ههنا: الشياطين، قال الحسن: أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان فيجعلوهم شركاء لله.
وتقدير الآية: وجعلوا الجن شركاء لله، ويجوز أن يكون الجن بدلا من الشركاء مفسرا لها.
وقوله: وخلقهم: يجوز أن تكون الكناية عن هؤلاء الذين جعلوا لله شركاء، والمعنى: إن الله خلقهم ثم جعلوا له شركاء لا يخلقون، ويجوز أن تعود الكناية على الجن فيكون المعنى: والله خلق الجن فكيف يكون شركاء لله؟ وقوله: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} [الأنعام: 100] قال الفراء: معنى خرقوا: افتعلوا ذلك كذبا وكفرا، وخرقوا واخترقوا، وخلقوا واختلقوا بمعنى واحد، يقال: خلق فلان الكلمة واختلقها، وخرقها واخترقها، إذا افتعلها وابتدعها كذبا.
وقرأ نافع وخرَّقوا مشددة، والتشديد للمبالغة والتكثير، قال المفسرون: إن كفار العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وزعمت النصارى بأن المسيح ابن الله، واليهود أن عزيرا ابن الله، فأعلم الله أنهم اختلقوا ذلك بغير علم أي: لم يذكروه، وإنما تكذبا.
قوله: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: 101] من أين يكون له ولد، ولا يكون الولد إلا من صاحبة؟ {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الأنعام: 101] أي: أنه خالق كل شيء، وخالق الأشياء لا مثل له، والولد لا يصح إلا مع المماثلة، ومن لا يصح أن يكون له مثل لا يصح أن يكون له ولد.
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101] لأنه هو الخالق له.
وقوله: ذلكم الله أي: ذلك الذي خلق كل شيء وعلم كل شيء {رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} [الأنعام: 102] قال ابن عباس: فأطيعوه.
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102] بالحفظ له والتدبير فيه.
قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] الإدراك: الإحاطة بكنه الشيء وحقيقته، وهو غير الرؤية، لأنه يصح أن يقال: رآه وما أدركه.
فالأبصار ترى الباري عز وجل ولا تحيط به، كما أن القلوب تعرفه ولا تحيط به، قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] .