أن الله تعالى أراه هذه الأشياء حتى نظر إليها مستدلا بها على خالقها، وهو قوله: {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75] عطف على المعنى، لأن معنى الآية: نريه ملكوت السموات والأرض، أي: ليستدل بها وليكون من الموقنين.

وقوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الأنعام: 76] يقال: جن عليه الليل، إذا ستره بظلمته جنا وجنانا وجنونا، وأجنه الليل أيضا: إذا أظلم عليه.

وقوله: رأى كوكبا: قال المفسرون: لما شب إبراهيم في السرب الذي ولد فيه قال لأبويه: أخرجاني، فأخرجاه من السرب، وانطلقا به حين غابت الشمس، فنظر إبراهيم إلى الإبل والخيل والغنم، فقال: ما لهذه بد من أن يكون لها رب وخالق.

ثم تفكر ونظر في خلق السموات والأرض، فقال: إن الذي خلقني ورزقني ربي، ما لي إله غيره.

ثم نظر فإذا المشتري قد طلع، ويقال الزهرة.

وكانت تلك الليلة في آخر الشهر، فرأى الكوكب قبل القمر، ف {قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76] أي: تقولون: هذا ربي، وإضمار القول في القرآن كثير، كقوله: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] أي: يقولان ربنا.

وكأن إبراهيم قال لقومه: تقولان هذا ربي، أي: هذا الذي يدبرني.

لأنهم كانوا أصحاب نجوم يرون التدبير في الخليقة لها.

وقيل: إنه قال: هذا ربي على جهة الاحتجاج على قومه، كأنه قال: هذا ربي عندكم وفيما تظنون وفي زعمكم.

كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] أي: عند نفسك، والوجهان ذكرهما الزجاج، وابن الأنباري.

وفي قوله: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام: 76] دلالة على أن ما غاب بعد ظهوره فليس برب، لأن ما ظهر وأفل كان حادثا مدبرا مسخرا مصرفا، وذلك ينافي صفة الإله المعظم.

قوله: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا} [الأنعام: 77] يقال: بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع.

اعتبر إبراهيم في القمر والشمس، كما اعتبر في النجم، وكانت حجته فيها على قومه كالحجة على الكواكب، وهو قوله: {هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: 77] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015