{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ {33} وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ {34} وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ {35} إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {36} } [الأنعام: 33-36] قوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام: 33] هذا تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعزية عما يواجهه به قومه من التكذيب.
قال أبو ميسرة: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد إنا والله لا نكذبك، وإنك عندنا صادق، ولكن نكذب ما جئت به.
فنزلت هذه الآية.
وقوله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33] قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، ومقاتل: هذا في المعاندين الذين عرفوا صدق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه غير كاذب فيما يقول، ولكنهم عاندوا وجحدوا، فأنزل الله تعالى فيهم: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام: 33] في العلانية إنك كذاب مفتر، {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33] في السر يعلمون أنك صادق، وقد عرفوا صدقك فيما مضى، {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] بالقرآن بعد المعرفة.
وقال قتادة: يعلمون أنك رسول الله ولكن يجحدون، كقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وقرأ الكسائي لا يكذبوك مخففا، واحتج بأن العرب تقول: كذبت الرجل.
إذا نسبته إلى الكذب وإلى صنعة الأباطيل من القول، وأكذبته إذا أخبرت أن الذي تحدث به كذب ليس هو الصانع له.