والمعنى: تعلم ما أخفيه من سري وغيبي، ولا أعلم ما تخفيه أنت ولم تطلعنا عليه، فلما كان سر عيسى يخفيه في نفسه، جعل أيضا سر الله مما يخفيه الله في نفسه ليزدوج الكلام ويحسن النطم.

وقال الزجاج: النفس في اللغة تقع عبارة عن حقيقة الشيء، فمعنى {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [المائدة: 116] أي: تعلم ما أضمره {وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أي: لا أعلم ما في حقيقتك وما عندي علمه.

والتأويل: إنك تعلم ما أعلم، ولا أعلم ما تعلم، يدل على هذا قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116] .

ثم ذكر ما قال لقومه فقال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة: 117] فسر ذلك فقال: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117] أي: أمرتهم بعبادتك لأنك ربي وربهم، {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] كنت أشهد على ما يفعلون ما كنت مقيما فيهم، فلما توفيتني يعني: وفاة الرفع إلى السماء من قوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] ، {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] الحفيظ عليهم تحفظ أعمالهم، {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] قال ابن عباس: شهدت مقالتي فيهم وبعد ما رفعتني إليك شهدت ما يقولون بعدي.

قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الآية: قال الحسن وأبو العالية إن تعذبهم: فبإقامتهم على كفرهم، {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} [المائدة: 118] فبتوبة كانت منهم.

وقال ابن الأنباري: هذا على التبعيض، أي: إن تعذب بعضهم الذين أقاموا على الكفر فهم عبادك، وإن تغفر لبعضهم الذين انتقلوا عن الكفر إلى الإسلام فأنت في ذلك قاهر غالب عادل لا يعترض عليك معترض.

وهذا اختيار الزجاج لأنه قال: والذي عندي: أن عيسى عليه السلام قد علم أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر، فقال عيسى في جميعهم: إن تعذب من كفر بك فإنهم عبادك، أنت العادل فيهم، وإن تغفر لهم لمن أقلع منهم وآمن فأنت في مغفرتك لهم عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك.

قوله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] أي: ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في هذا اليوم، ولأنه يوم الجزاء، وما تقدم في الدنيا الصدق إنما يتبين نفعه في هذا اليوم.

قال المفسرون: هذا تصديق لعيسى فيما قال، وذلك أنه كان صادقا في الدنيا، ولم يقل للنصارى: اتخذوني إلها فنفعه صدقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015