أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104] مضى تفسيره.
قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] قال الفراء، وابن الأنباري: هذا أمر من الله، تأويله: احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي.
قال الزجاج: إذا قلت: عليك زيدا، فتأويله: الزم زيدا، وعليكم أنفسكم معناه: الزموا أمر أنفسكم، فإنما ألزمكم الله أمرها.
{لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} [المائدة: 105] من أهل الكتاب إذا اهتديتم، ولا تدل الآية على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأن يتأول فيقال: إذا حفظ المرء نفسه عن المعاصي، وكان مهتديا لم يضره ضلال غيره من أهل دينه، ولا يجب عليه الأمر بالمعروف، وقد صرح أبو بكر الصديق رضي الله عنه بهذا فيما
316 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمُفِيدُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ»
قال أبو عبيدة: خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف، فأراد أن يعلمهم أنها ليست كذلك، وأنه لو كان وجهها ذلك ما تكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلافها.
والذي أذن الله في الإمساك عن تغييره من المنكر: الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم أهل ملل يتدينون بها.
ثم قد صولحوا على أن شرطهم ذلك.
فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام، فلا تدخل في هذه