فقال: " أبوك حذافة بن قيس.
وقام آخر فقال: يا رسول الله أين أبي؟ فقال: في النار.
وقام آخر فقال: يا رسول الله الحج علينا في كل عام؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويحك، وما يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلتُ: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم.
فأنزل الله هذه الآية.
وسأل عن موضع أبيه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في النار فهو مما يسوء السائل بيانه.
وأما من سأل عن نسبه، فإنه لم يأمن من أن يلحقه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير أبيه، فيفتضح فضيحة تبقى عليه بسؤال لم يكلف ذلك.
وأما السائل عن الحج فقد سأل عما كان مرفوعا عنه، لأنه كان ظاهر ما نزل من فرض الحج كفاية، فلو كان العدد في الوجوب مرارا لبين في التنزيل أو على لسان الرسول، فسؤاله إذا عن شيء عفا الله، وهو قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} [المائدة: 101] .
وهذا مؤخر في النظم مقدم في المعنى: لأن التقدير: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم عفا الله عنها.
ومعنى: {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} [المائدة: 101] أي: كف وأمسك عن ذكرها، فلم يوجب فيها حكما.
قال الزجاج: أعلم الله أن السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع، فإذا ظهر فيه الجواب ساء ذلك، ولا وجه في المسألة عما عفا الله عنه، ولا فيما فيه إن ظهر فضيحة على السائل.
وقوله: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا} [المائدة: 101] أي: عن أشياء {حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ} [المائدة: 101] فيها من فرض أو إيجاب أو نهي أو حكم، ومست حاجتكم إلى ما هو من جملة ما نزل فيه القرآن، وليس في ظاهرها دليل على شرح ما بكم إليه حاجة، فإذا سألتم عنها حينئذ {تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: 101] .
قوله: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 102] أي: سأل الآيات التي بهم غنى عنها فتكلفوا سألتها، كقوم عيسى: سألوا المائدة ثم كفروا بها، وقوم صالح: سألوا الناقة ثم عقروها وكفروا بها.
قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة: 103] أي: ما أوجبها ولا أمر بها.
والبحيرة: فعيلة من البحر وهو الشق، يقال: بحر ناقته.
أي: شق أذنها، وهي بمعنى المفعولة.
قال المفسرون: البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن شقوا أذنها، وامتنعوا عن ركوبها وذبحها، ولا يجز