ما أوحى الله ولا إلى أحد من بعد موسى فكذبهم الله وأنزل: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء: 163] الآية.
وقوله: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [النساء: 163] الزبور الكتاب، وكل كتاب زبور، وهو فعول بمعنى مفعول، كالرسول والركوب والحلوب، وأصله من زبرت الكتاب.
بمعنى كتبت، وقرأ حمزة زُبورا بضم الزاي على أنه جمع زبر وهو الكتاب سمي المفعول باسم المصدر، ثم جمعه كما يسمى المكتوب كتابا، ثم يجمع على كتب.
قوله تعالى: {وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164] الآية: قال الكلبي: يقول من الرسل من قد سميناهم لك في القرآن وعرفناكهم إلى من بعثوا، وما رد عليهم قومهم، ومنهم من لم نسمِّه لك.
وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] أي: مخاطبة من غير واسطة، وتأكيد كلم بالمصدر: يدل على أنه سمع كلام الله حقيقة لا كما تقول القدرية: إن الله تعالى خلق كلاما في محل فسمع موسى ذلك الكلام لأنه لا يكون ذلك كلام الله.
قال أحمد بن يحيى: لو قال: وكلم الله من غير أن يؤكد بالمصدر لاحتمل كما قالوا، فلما قال تكليما سقط الشك الذي كان يدخل في الكلام لأن أفعال المجاز لا تؤكد بذكر المصادر، لا يقال: أراد الحائط أن يسقط إرادة.
قوله جل جلاله: رسلا مبشرين أي: بالجنة لمن أطاع ومنذرين: بالنار لمن عصى، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] لأنه لو لم يبعث الرسل لكان للناس حجة في ترك الطاعة والتوحيد والمعرفة لأن هذه الأشياء إنما وجبت ببعث الرسل، وقد قال في آية أخرى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا} [طه: 134] ، فبين أنهم كانوا يحتجون بعدم الرسل لو لم تبعث إليهم، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا} [النساء: 165] في اقتداره على إنجاز موعوده على ألسنة رسله حكيما: في إرساله الرسل.
{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا {166} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا {167} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا {168} إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {169}