فاستودعها يهوديا، فوجدت عنده، فقال: استودعنيها طعمة بن أبيرق، فأنكر وقال: إنما سرقها اليهودي، فاجتمع قوم طعمة وقوم اليهودي، فانطلقوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان هوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع طعمة، فنزل قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} [النساء: 105] القرآن، بالحق: لا بالتعدي في الحكم، {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] بما علمك الله، {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] الخصيم: الذي يخاصمك.
أي: لا تكن مخاصما، ولا دافعا عن خائن، يعني: طعمة وقومه.
واستغفر الله: قال السدي: مما أردت من الجدال عن طعمة، وقال ابن عباس: من همك بقطع اليهودي.
{وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107] يعني: طعمة ومن عاونه من قومه وهم يعلمون أنه سارق.
والاختيان كالخيانة، يقال: خانه واختانه، وقد ذكرنا ذلك عند قوله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] .
ومعنى يختانون أنفسهم: يخونونها بالمعصية، والعاصي خائن لأنه مؤتمن على دينه.
وقد صرحت الآية بالنهي عن المجادلة عن الظالمين، ألا ترى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جادل عن طعمة على غير بصيرة فعاتبه الله بهذا، وأمره بالاستغفار، ونهاه عن المعاودة إلى مثله.
فما ظنك بمن يعلم ظلم الظالم ثم يستجيز معاونته؟ وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107] أي: خائنا فاجرا، وذلك أن طعمة خان في الدرع، وأثم في رميه اليهودي.
قوله جل جلاله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} [النساء: 108] الاستخفاء: الاستتار، يقال: استخفيت من فلان.
أي: تواريت منه، قال الله تعالى {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} [الرعد: 10] أي: مستتر، والمعنى: يستترون من الناس، يعني: طعمة وقومه كيلا يطلعوا على كذبهم وخيانتهم، ولا يستخفون: ولا يستترون {مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء: 108] أي: عالم بما يخفون وما