الدرهم.
فالثاني هو الأول.
ونحو هذا قال الزجاج: ذكر العسر مع الألف واللام، ثم ثنى ذكره، فصار المعنى: إن مع العسر يسرين.
وقد أحسن صاحب النظم في تفسير هذه الآية، فقال: إن الله بعث نبيه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مقل مخف، فكانت قريش تعيره بذلك، حتى قالوا له: إن كان بك من هذا القول الذي تدعيه طلب الغنى، جمعنا لك مالًا حتى تكون كأيسر أهل مكة، فكرث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره، فعدد الله عليه مننه في هذه ال} [، ووعده الغنى، وأنزل:] أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ {1} وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ {2} { [سورة الشرح: 1-2] أي: ما كنت فيه من أمر الجاهلية، لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنمًا، ثم ابتدأ فيما وعده من الغنى، ليسليه بذلك عما خامره من الهم بقول من عيره بالفقر، فقال:} فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا { [الشرح: 5] والتأويل: لا يحزنك ما يقولون، وما أنت فيه من الإقلال، فإن مع ذلك يسرًا في الدنيا عاجلًا، ثم أنجز ما وعده، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز وما والاها من القرى العربية، وعامة بلاد اليمن، وحتى أهل البوادي، فكان يعطي المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة.
ثم ابتدأ فضلًا آخر، فقال:} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا { [الشرح: 6] والدليل على ابتدائه تعريه من فاء أو واو وهو وعد لجميع المؤمنين، لأنه يعني بذلك: إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرًا في الآخرة، وربما اجتمع له اليسران: يسر الدنيا وهو ما ذكر في الآية الأولى، ويسر الآخرة وهو ما ذكر في الآية الثانية، فقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لن يغلب عسر يسرين» ، أي: يسر الدنيا والآخرة، فالعسر بين يسرين، إما فرج في الدنيا، وإما ثواب في الآخرة.
سمعت أبا إسحاق المقرئ رحمه الله، يقول: سمعت الحسن بن محمد النيسابوري، سمعت محمد بن عامر البغدادي، يقول: سمعت عبد العزيز بن يحيى، يقول: سمعت عمي، يقول: سمعت العتبي، يقول: كنت ذات يوم في البادية بحالة من الغم، فألقي في روعي بيت شعر، فقلت:
أرى الموت أصبح ... مغمومًا له أروح