فَقُلْنَا لَهَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ فَقَالَ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَقَالَ: مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ تَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي، وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ صَدَقْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " وَنَزَلَتْ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] الآية رَوَاهُ الْبُخَارِيّ، عَنِ الْحُمَيْدِيّ، وَرَوَاه مُسْلِم، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَمَاعَةٌ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَان
قال المفسرون: إن الآية نزلت في حاطب، حين كتب إلى مشركي قريش يخبرهم بمسير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم لما قصد فتح مكة، ينهاه الله عن موالاة الكفار.
وقوله: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1] قال الزجاج: تلقون إليهم أخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسره، بالمودة التي بينكم وبينهم، وقد كفروا والواو للحال، لأن المعنى: وحالهم، {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] يعني: القرآن، {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة: 1] من مكة، أن تؤمنوا لأن تؤمنوا، كأنه قال: يفعلون ذلك لإيمانكم، {بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ} [الممتحنة: 1] هذا شرط جوابه متقدم، وهو قوله: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] ، وقوله: {جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} [الممتحنة: 1] منصوبان لأنهما مفعول لهما، {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]