{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ {99} رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ {100} فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ {101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ {102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ {103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ {106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ {108} سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ {112} وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ {113} } [الصافات: 99-113] وقال إبراهيم: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات: 99] قال ابن عباس: مهاجر إلى ربي.
والمعنى: أهجر ديار الكفر وأذهب إلى حيث أمرني الله، كما قال إخبارا عنه أيضا: {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العنكبوت: 26] ، سيهدين إلى حيث أمرني بالمصير إليه، وهو الشام، قال مقاتل: فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد، فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] أي: ولدا صالحا من الصالحين، فاستجاب الله له بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] قال الزجاج: وهذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر، وأنه يبقى حتى ينتهي في السن، ويوصف بالحلم.
قوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] قال قتادة: لما مشى معه.
وقال مجاهد، عن ابن عباس: لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم.
والمعنى: بلغ أن يتصرف معه ويعينه، قالوا: وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة.
وقال الكلبي: يعني العمل لله.
وهو قول الحسن، ومقاتل، وابن زيد، قالوا: هو العبادة والعمل الذي تقوم به الحجة، وهو ما بعد البلوغ.
وقوله: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] قال مقاتل: رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متتابعات.
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي.
وقال قتادة: رؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئا فعلوه.
واختلفوا في الذبيح، من هو؟ فالأكثرون على أنه إسحاق، وهو قول علي، وابن مسعود، وكعب، ومقاتل، وعكرمة، والسدي.
786 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نا شَيْبَانُ، نا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ: الَّذِي أُمِرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ هُوَ إِسْحَاقُ، عَلَيْهِمَا السَّلامُ، وَهَؤُلاءِ قَالُوا: كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بِالشَّامِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ الزَّاهِدَ، سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ، يَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا الذَّبِيحُ، وَسِيَاقُ هَذِهِ الآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِسْحَاقُ؛ لأَنَّهُ قَالَ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} وَلا خِلافَ أَنَّ هَذَا إِسْحَاقُ، ثُمَّ قَالَ: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} فَعَطَفَ بِقَضِيَّةِ الذَّبْحِ عَلَى ذِكْرِ إِسْحَاقَ
وقوله: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102] أي: من الرأي فيما ألقيت إليك، وما الذي تذهب إليه، هل تستسلم له وتنقاد؟ أو تأتي غير ذلك؟ وقرأ حمزة ترى بضم التاء وكسر الراء، ومعناه: ما تشير.
قال الفراء: ماذا تريني من