بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَرَضِيَ عَنْهَا
وقوله: فتعالين أمتعكن يعني: متعة الطلاق، وقد ذكرناها في { [البقرة، وأسرحكن يعني الطلاق، سراحا جميلا من غير ضرار، قال الحسن، وقتادة: أمر الله رسوله أن يُخَيِّرَ أزواجه بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار، فأنزل الله قوله:] إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [سورة الأحزاب: 28] الآية، وقوله: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ} [الأحزاب: 29] يعني الجنة، {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ} [الأحزاب: 29] يعني: اللاتي آثرن الآخرة، أجرا عظيما يعني الجنة، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعائشة وخيرها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، ثم فعل سائر أزواجه مثل ما فعلت هي، وقلن: ما لنا وللدنيا، إنما خلقت الدنيا دار فناء، والآخرة الباقية، والباقية أحب إلينا من الفانية.
747 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرَازِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدَوَيْهِ الْهَرَوِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، نا أَبُو الْيَمَانِ، أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أنا أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخْبِرَ أَزْوَاجَهُ، قَالَتْ: فَبَدَأَ بِي، فَقَالَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا وَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لَيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ} إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ، فَقُلْتُ: أَيُّ هَاتَيْنِ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي اخْتَرْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَن يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَصَرَ رَسُولَهُ عَلَيْهِنَّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ. . . .} الآيَةَ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَهُنَّ عَلَى سَائِرِ النِّسْوَةِ بِالتَّمْيِيزِ عَنْهُنَّ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالأَجْرِ عَلَى الطَّاعَةِ
وهو قوله: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {30} وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا {31} } [الأحزاب: 30-31] {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: 30] قال ابن عباس: يعني النشوز، وسوء الخلق.
{يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] يجعل عذاب جرمها في الآخرة كعذاب جرمين، والمعنى: زيد في عذابها ضعف كما زيد في ثوابها ضعف في قوله: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] وإنما ضوعف عذابهن على الفاحشة لأنهن يشاهدن من الزاجر ما يردع عن مواقعة الذنوب ما لا يشاهد غيرهن، فإذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب، وقوله: {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 30] قال مقاتل: كان عذابها هينا على الله.
{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب: 31] يطع الله ورسوله، وتعمل صالحا وقرأ حمزة بالياء حمل على المعنى وترك لفظه من {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] قال مقاتل: مكان كل حسنة ثبتت عشرون حسنة.
{وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] حسنا، وهو الجنة.
ثم أظهر فضيلتهن على سائر النساء بقوله: {