إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ فَرَأَى قُبَّةً مُشْرِفَةً، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: هَذَا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَمَكَثَ وَحَمَلَهَا فِي نَفْسِهِ حَتَّى إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ؛ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَصَنَعَ بِهِ ذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى عَرَفَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ فِيهِ وَالإِعْرَاضَ عَنْهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُنْكِرُ نَظَرَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَدْرِي مَا حَدَثَ فِيَّ وَمَا صَنَعْتُ، قَالُوا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى قُبَّتَكَ، فَقَالَ: «لِمَنْ هَذِهِ؟» فَأَخْبَرْنَاهُ فَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ، فَسَوَّاهَا بِالأَرْضِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَرَ الْقُبَّةَ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَتِ الْقُبَّةُ الَّتِي كَانَتْ هَهُنَا؟» قَالُوا: شَكَا إِلَيْنَا صَاحِبُهَا إِعْرَاضَكَ عَنْهُ فَأَخْبَرْنَاهُ فَهَدَمَهَا، قَالَ: إِنَّ كُلَّ بِنَاءٍ يُبْنَى وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَا لا بُدَّ مِنْهُ
قوله: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} [الشعراء: 129] المصانع التي يتخذها الناس من الأبنية والآبار، قال أبو عبيدة: كل قباء مصنعة.
قال ابن عباس: هي الأبنية.
وقال مجاهد، وقتادة، والكلبي: هي القصور والحصون.
{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] أي: كأنكم تخلدون، قاله أكثر المفسرين، والمعنى أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم يخلدون فيها ولا يموتون، ولعل يأتي في الكلام بمعنى كان، قال يونس في قوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء: 3] معناه: كأنك فاعل ذلك إن لم يؤمنوا.
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130] قال ابن عباس: يريد الضرب بالسياط ضرب الجبارين، والقتل بالسيف بغير حق.
والمعنى: إذا ضربتم ضربتم بالسياط ضرب الجبارين، وإذا عاقبتم قتلتم، ومعنى الجبار ههنا القتال على الغضب بغير حق، وقال الزجاج: وإنما أنكر عليهم ذلك لأنه ظلم، فأما في الحق فالبطش بالسيف والسوط جائز.
وقوله: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} [الشعراء: 132] أي: أعطاكم ما تعلمون من الخير.
ثم أخبرنا بالذي أعطاهم، فقال: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ {133} وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {134} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} [الشعراء: 133-135] قال ابن عباس: يريد إن عصيتموني.
{عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 135] في الدنيا والآخرة، يريد الذي أهلكوا به.
{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ {136} إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ {137} وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ {138} فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {139} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {140} كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ {141} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ {142} إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ {143} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {144} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {145} } [الشعراء: 136-145] {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء: 136] قال الكلبي: نهيتنا أو لم تكن من الناهين لنا.
{إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] قال مقاتل: قالوا: ما هذا العذاب الذي تقول يا هود إلا كذب الأولين.
وهو قول ابن مسعود، ومجاهد.
والخلق والاختلاف: الكذب، ومنه قوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] وقرئ خلق الأولين بضم الخاء واللام، أي: عادة الأولين، والمعنى: ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين من قبلنا، يعيشون ما عاشوا ثم يموتون، ولا بعث ولا حساب.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 138] على ما نفعل، فكذبوه بالعذاب في الدنيا، فأهلكناهم بالريح، وما بعد هذا مفسر في ال { [إلى قوله:]