وكم من بئر معطلة، وقصر مشيد تركوا بعد إهلاكهم، والمعطلة: المتروكة من العمل والاستقاء، ومعنى التعطيل: الترك من العمل، والمشيد: المطول المرفوع، من قولهم: شاد بناء إذا رفعه، ذكرنا ذلك في قوله:] بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [سورة النساء: 78] .
ثم حث على الاعتبار بحال من مضى من الأمم المكذبة، فقال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} [الحج: 46] قال ابن عباس: أفلم يسر قومك في أرض اليمن والشام.
{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] يعلمون بها ما يرون من العبر، والمعنى: فيعقلون بقلوبهم ما نزل بمن كذب قبلهم، {أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46] أخبار الأمم المكذبة، قال ابن قتيبة: وهل شيء أبلغ في العظة والعبر من الآية؟ لأن الله أراد أفلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم الله بالعتو فيروا بيوتا خاوية قد سقطت على عروشها، وبئرا يشرب أهلها قد عطلت، وقصرا بناه ملكها بالشيد قد خلا من السكن وتداعى من الخراب، فيتعظوا بذلك، ويخافوا من عقوبة الله مثل الذين نزل بهم ذكر الله تعالى أن أبصارهم الظاهرة لم تعم عن النظر، وإنما عميت قلوبهم، فقال: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] ذكر الفراء، والزجاج أن قوله: {الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] من التوكيد الذي تريده العرب في الكلام، كقوله: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] وقوله: ويقولون بأفواههم وقوله: يطير بجناحيه.
قوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ {47} وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ {48} } [الحج: 47-48] ويستعجلونك بالعذاب أي: يسألونك أن تأتي بعذابهم عاجلا، {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47] في إنزال العذاب بهم في الدنيا، قال ابن عباس: يعني يوم بدر.
{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] قال مجاهد، وعكرمة، وابن زيد: هو من أيام الآخرة.
ويدل على هذا ما روي أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمس مائة عام.
والمعنى على هذا أنهم يستعجلون بالعذاب، وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة.
قال الفراء: وفي هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة.
وذكر الزجاج وجها آخر، فقال: أعلم الله أنه لا يفوته شيء، وإن يوما عنده وألف سنة في قدرته واحد، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة إلا أن الله تفضل بالإمهال.
وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: المعنى إن يوما عنده في الإمهال وألف سنة سواء، لأنه قادر عليهم متى شاء أخذهم.
وقرئ يعدون بالياء والتاء، فمن قرأ بالياء فلقوله يستعجلونك، ومن قرأ بالتاء فلأنه أعم من خطاب المستعجلين والمؤمنين.
ثم أعلم أنه قد أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير، فقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} [الحج: 48] الآية، وما بعدها ظاهر إلى قوله: {