{وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا {66} أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا {67} فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا {68} ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا {69} ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا {70} } [مريم: 66-70] وقوله: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ} [مريم: 66] معناه: الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، {أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [مريم: 66] يقولُ ذلكَ استهزاء وتكذيبا منه بالبعث، قال ابن عباس فِي رواية عطاء: يعني الوليد بن المغيرة.
وقال فِي رواية الكلبي: نزلت فِي أبي بن خلف حين أخذ عظاما بالية يفتها بيده، ويقول: زعم محمد أن الله يبعثنا بعد ما نموت.
فقال الله مجيبا لذلك الكافر: {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ} [مريم: 67] أولا يتذكر هذا الجاحد أول خلقه، فيستدل بالابتداء على الإعادة، وهو قوله: {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67] .
ثم أقسم أنه يحشرهم، فقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: 68] أي: لنجمعنهم فِي المعاد، والشياطين وذلك أن كل كافر يحشر مع شيطانه فِي سلسلة، {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] يعني: فِي جهنم، وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون داخله، يقال: جلس القوم حول البيت إذا جلسوا داخله مطيفين به، وقوله: جثيا قال مجاهد: مستوقرين على الركب، جمع جاث، من قولهم: جثا على ركبته يجثوا جثوا.
وقال ابن عباس: جثيا جماعات.
وهو قول مقاتل، وهو جمع جثوة وجثوة، وهي المجموع من التراث والحجارة.
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ} [مريم: 69] لنأخذن ولنخرجن، {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم: 69] من كل فرقة وجماعة، {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69] أي: الأعتى فالأعتى منهم، قال الأحوص: بدئ بالأكابر جرما.
وقال قتادة: لننزعن من كل أهل دين قادتهم ورؤسائهم فِي الشر.
والعتي ههنا مصدر كالعتو، وهو التمرد فِي العصيان، وأما رفع أيهم، فقال الزجاج: فِيهِ ثلاثة أقوال: أحدها أنه على الاستئناف ولننزعن يعمل فِي موضع {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم: 69] .
هذا قول يونس، وقال الخليل: أنه على معنى الذين يقال لهم: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69] .
وقال سيبويه: أيهم ههنا مبني على الضم، تقول: اضرب أيهم أفضل، تريد أيهم هو أفضل.
{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} [مريم: 70] يقال: صلى النار يصلاها صليا، أي: دخلها وقاسى حرها، يعني أن الأولى بها صليا الذين هم أشد على الرحمن عتيا على معنى الابتداء بهم دون أتباعهم، لأنهم كانوا رؤساء فِي الضلالة.
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا {71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا {72} } [مريم: 71-72] قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] وما منكم أحد إلا وارد جهنم، {كَانَ عَلَى رَبِّكَ} [مريم: 71] كان ورودكم جهنم، {حَتْمًا} [مريم: 71] الحتم: إيجاب القضاء والقطع بالأمر، يقال: كان ذلك حتما، أي موجبا، {مَقْضِيًّا} [مريم: 71] قضاه الله عليكم، وأكثر