الإيمان، ختم الله على القلوب وسد منافذ الخير إليها، واستحق المعاندون التوبيخ، ومنع النبي أو المصلح وأعوانه من الاستغفار لهم، لذا ونهى الله نبيه من الاستغفار للمشركين ولو كانوا أقرباء، حال اليأس من إيمانهم، وتحجر قلوبهم وعقولهم، قال الله تعالى مبينا هذا النهي:
ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)
«1» [التوبة: 9/ 113- 116] .
روى الترمذي والحاكم عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه، وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك، وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه، وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ...
وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما: إنما نزلت الآية بسبب جماعة من المؤمنين قالوا: نستغفر لموتانا كما استغفر إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم لأبيه، فنزلت الآية في ذلك.
وعلى كل حال، ففي ورود النهي عن الاستغفار للمشركين موضع الاعتراض بقصة إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه، فنزل رفع الاعتراض في الآية التي بعدها.
والمعنى: ما ينبغي ولا يصح للنبي والمؤمنين أن يدعوا الله بالمغفرة للمشركين، وهذا خبر بمعنى النهي، لأن النبوة والإيمان مانعان من الاستغفار للمشركين،