والله عليم بمن يهدي إلى الرشد، وحكيم فيما ينفذه من تنعيم من شاء، وتعذيب من شاء، لا رب غيره ولا معبود.

وقوله سبحانه: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ دليل على أنه لا حكم إلا أحد هذين الأمرين: وهو إما التعذيب وإما التوبة، أما العفو عن الذنب من غير توبة فغير معتبر ولا منتظر، إلا إذا اقتضت الرحمة الإلهية أن تشمل بعض الخلائق، فهذا مرده إلى الله تعالى من قبيل الفضل والرحمة، لا بحسب منهج الحق والعدل.

بل إن الثواب ودخول الجنان لا يكون بغير فضل الله ورحمته، لأن أعمال الناس مهما عظمت لا تساوي شيئا أمام أفضال الله ونعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى.

روى البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة. قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة» وفي رواية أخرى عن عائشة: «سدّدوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» .

ومعنى: سددوا: اقصدوا السداد من الأمر، وهو الصواب، وقاربوا: اطلبوا المقاربة وهي الاعتدال في الأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير.

مسجد الضرار ومسجد التقوى

يعقد الحق تعالى في العادة مقارنة بين الأوضاع والأشياء المتضادة، لتحقيق العبرة، والتوصل إلى الإصلاح، ومحاربة الفساد، وتخليد آثار الصالحين، والاتعاظ بجرائم المفسدين الضالين. ومن هذه المقارنات بيان أغراض المنافقين في بناء مسجد الضرار في المدينة، والتعريف بغايات المؤمنين الأتقياء في بناء مسجد التقوى: مسجد قباء في أول عمل قام به النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد هجرته مع صحبه إلى المدينة المنورة، قال الله تعالى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015