ثم أكد الله تعالى ضرورة الحفاظ على العهد والوفاء بالعقد لهؤلاء بقوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي يرضى عن الذين يوفون بالعهد، ويتقون الغدر ونقض العهد. وهذا تعليل لوجوب امتثال المؤمنين لما يأمرهم به ربهم، وتبيان بأن مراعاة العهد من باب التقوى، حتى وإن كان المعاهد مشركا.
وكرر الله تعالى في قوله: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ.. استبعاد ثبات المشركين على العهد، فكيف يكون لهم عهد محترم، والحال أنهم إن يظفروا بكم، لم يراعوا حلفا ولا قرابة ولا عهدا، وهذا تحريض للمؤمنين على معاداتهم والتبري منهم، بل وأكثر من هذا، فمن خبثهم وضغينتهم أنهم قوم مخادعون، يظهرون الكلام الحسن بأفواههم، وقلوبهم مملوءة حقدا وحسدا وكراهية: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: 48/ 11] وأكثرهم فاسقون، أي متمردون لا عقيدة تزعهم، ولا مروءة تردعهم، خارجون من أصول الدين والمروءة والأخلاق. وعبر تعالى بقوله: وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ لأن نقض العهد كان من الأكثرين.
وأردف الله تعالى بيان سببين آخرين للبراءة من عهود المشركين وإيجاب قتالهم وهما أولا- أنهم اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، أي استبدلوا بآيات الله الدالة على الحق والخير والتوحيد عوضا قليلا حقيرا من متاع الدنيا، وهو اتباع الأهواء والشهوات، والطمع بالأموال متاع الدنيا الخسيسة، فمنعوا الناس من اتباع الدين الحق فبئس العمل عملهم، وقبح ما ارتضوه لأنفسهم من الكفر والضلالة وترك الإيمان.
وثانيا- أنهم من أجل كفرهم لا يراعون في شأن مؤمن قدروا على الفتك به حلفا ولا قرابة ولا عهدا على الإطلاق، وأولئك هم المعتدون، أي المجاوزون الغاية في الظلم والشر، فأصبحوا لا يفهمون بغير لغة السيف، والخضوع للقوة، لا للعهد والذمة، والقيم والأخلاق والمبادئ.