وكان عذاب مشركي قريش مقصورا على القتل والسبي وسلب النعمة، وأما عذاب من قبلهم، فكان عذاب استئصال كإغراق آل فرعون، وتدمير قوم عاد بالريح العاتية، وإهلاك قوم ثمود بالصيحة الشديدة وهي الطاغية.
إن الكلمة التي يلتزم بها الإنسان عهد وميثاق، وشرف وكرامة، وإنسانية سامية وحضارة عريقة وثقة بالذات، فإذا ما نقض الإنسان عهده وخان التزامه ولم يوف ببنود العهد والميثاق كان هابطا عن المستوى الإنساني، بل إن الدواب الذميمة تكون أفضل منه، وقد حكى القرآن الكريم حال بعض الناقضين عهودهم، والكافرين الذين تحتم عليهم بأنهم لا يؤمنون، فقال الله سبحانه:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأنفال: 8/ 55- 59] .
نزلت الآية في بني قريظة، قال ابن عباس: إنهم بنو قريظة نقضوا عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأعانوا عليه بالسلاح في بدر، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا، فعاهدهم الثانية، فنقضوا العهد ومالؤوا الكفار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الخندق، وركب زعيمهم كعب ابن الأشرف إلى مكة، فحالفهم على محاربة النبي صلّى الله عليه وسلم.