فعل الله ما فعل ودبر، ووعد بما وعد، وأنجز النصر للمؤمنين، ليحق الحق ويبطل الباطل، أي ليثبت الإسلام ويظهره، ويمحق الكفر والشرك ويزيله، ولو كره المجرمون، أي المعتدون الطغاة، ولا يكون ذلك بمجرد الاستيلاء على العير، قافلة الإبل، بل بقتل أئمة الكفر وزعماء الشرك.
وتكرار إحقاق الحق في آيتين متواليتين ليس تكرارا خاليا من المعنى، وإنما هناك معنيان متباينان، المعنى الأول: لبيان مراد الله وأن هناك تفاوتا بنيه وبين مراد الصحابة. والمعنى الثاني: لبيان الداعي والغرض من التوجيه نحو القتال وهو إظهار الغلبة للمؤمنين القلائل على الكافرين الكثيرين ذوي القوة والبأس.
أراد الله سبحانه وتعالى تثبيت أركان الإسلام وقواعده في بداية تكوين دولته وإعلاء كلمته، بإعلاء الحق وإبطال الباطل في قوله سبحانه: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال: 8/ 8] وبعد هذا الإعلان الإلهي، أبان الله تعالى أن نصر المؤمنين في موقعة بدر لأسباب أهمها ثلاثة: هي الإمداد بالملائكة، وإلقاء النعاس للراحة بعد عناء السفر، وإنزال المطر لتطهير نفوس المسلمين ماديا ومعنويا، وكل نصر يحتاج لأسباب مادية ومعنوية، قال الله تعالى:
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13)
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)
«1» «2» «3»