نزلت هاتان الآيتان- في رأي جمهور المفسّرين- في القوم الذين طلب المشركون طردهم من مجلس النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتى يؤمنوا ويتفرّدوا بالجلوس، فنهى الله عزّ وجلّ عن طردهم، وضمّ إلى ذلك النهي الأمر بأن يسلّم النّبي صلّى الله عليه وسلّم عليهم ويؤنسهم.
قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عن طردهم، فكان إذا رآهم النّبي صلّى الله عليه وسلّم بدأهم بالسلام، وقال: «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسّلام» .
وقال الفضيل بن عياض: قال قوم للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: إنا قد أصبنا ذنوبا فاستغفر لنا، فأعرض عنهم، فنزلت الآية: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا.
والمعنى: وإذا جاءك أيها الرسول الذين يؤمنون بالله ورسله، ويصدقون بكتبه تصديقا قلبيّا وعمليّا، ويؤمنون بآيات القرآن وعلامات النّبوة كلها، فقل لهم: أمان لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة لأن الله سبحانه أوجب على نفسه الكريمة الرحمة بعباده، تفضّلا منه وإحسانا وامتنانا، فهو واسع الفضل والمغفرة، يغفر الذنوب بعد التوبة، ويعفو عن السّيئات بالحسنات.
جاء في الصحيحين وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تبارك وتعالى كتب كتابا، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي» .
فمن ارتكب منكم ذنبا أو خطيئة بجهالة كغضب شديد، أو شهوة جامحة، وخفة عارمة، وطيش بيّن، ثم تاب إلى الله وندم على ذلك الذنب، وصمّم على عدم العودة إلى المعصية في المستقبل، وأصلح عمله، فالله يغفر له ذنبه، لأنه واسع المغفرة والرحمة، ونظير هذه الآية الدّالة على غفران السيئات الواقعة عن جهالة قوله تعالى:
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النّساء: 4/ 17] . قال بعض السّلف: «كل من عصى الله فهو جاهل» وقال مجاهد: «من الجهالة: