توحيد الله، والهداية إلى السبيل السوي، وسبقت رحمته غضبه، ولله ذلك كلّه بحقّ ملكه، فلا تكونن أيها الرسول من الجاهلين، في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله وأمضاه وعلم المصلحة فيه.
قال ابن عباس في قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذّكر الأول.
وهذا كله دليل واضح على حرية الإنسان في اختيار الإيمان أو الكفر، وعلى أن الحساب والثواب والعقاب منوط بما اختاره الإنسان لنفسه من إيمان أو ضلال، وخير أو شرّ.
يؤكّد الله تعالى مواساته لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم على حزنه بسبب إعراض قومه عن دعوته لأن قضية الإيمان والكفر يتعلق بها أصول ثلاثة: هي حرية الإنسان، وتمام قدرة الله تعالى، وكمال علمه بالأشياء قبل وقوعها، وهذه الأسس الثلاثة تحدّثت عنها آيات قرآنية كثيرة منها قوله تعالى:
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)
«1» [الأنعام: 6/ 36- 39] .