بالحمد ولو لم يكن منه إنعام، لأنه المبدع وخالق السماوات والأرض وما فيهما من العوالم العلوية والسفلية، وما اشتملتا عليه من التقدير والإحكام بوجود الله سبحانه، وسبقهم المؤمنون إلى ذلك، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25) [لقمان: 31/ 25] .
أما ترتيب خلق السموات والأرض، فالمفهوم من مجموع آي القرآن: أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها أو يبسطها، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض ومدّدها بعد ذلك.
ولم يخلق السماوات والأرض على شكل واحد، وإنما جعل فيهما التنويع والتّبدل، والحركة والتّغير، وذلك آية الجمال والقدرة التامة الشاملة، فجعل الله العالم متبدلا، يلفّه الليل والنهار، والظلمة والنور يتعاقبان ويتبادلان، وهو وضع تجديدي يطرد السأم والملل، ويمنح النشوة والأمل، فلو كانت الحياة كلها على منوال واحد، ليل مظلم أو نهار مضيء دائم، لتضايق الإنسان، ولم يرق له العيش الهني ولم يدرك الارتياح النفسي. ومع هذه التبدلات والتغيرات، ووجود الأرض والسماوات، يجحد الكفار نعمة الله الصانع، ويجعلون لله عديلا مساويا له في العبادة، وهو الشريك، مع أن هذا الشريك ضعيف عاجز غير خالق، ولا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا. وقوله تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ توبيخ للناس على سوء فعلهم بعد قيام الحجج ووضوحها.
والظلمات في الكون كثيرة، تشمل المحسوس والمعنوي، فالمحسوس هو ظلمة الليل وأعماق الأرض والبحر، والمعنوي فيها ظلمات الشّرك والكفر. والنّور يشمل النهار المحسوس، والإيمان والعلم وسائر فنون المعرفة.
ومرجع العالم في النهاية إلى الله تعالى وهو سبحانه القادر التام القدرة على إعادة