وتوكيده، فقد أخطأ الطريق الواضح المستقيم الذي هو الدين المشروع من الله، وعدل عن الهدى إلى الضلال.
وبسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذناه عليهم، أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى ورحمة الله، وغضبنا عليهم، وجعلنا قلوبهم غليظة قاسية شديدة، لا تقبل الحق ولا تتعظ بموعظة، وفسدت أفهامهم وساء تصرفهم في آيات الله، وتأوّلوا كلام الله على غير وجهه الصحيح وحرّفوه وبدّلوه بالتقديم والتأخير والزيادة والنقص، ونسوا نصيبا مهمّا مما أمروا به في كتابهم، وهو الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء والمرسلين، وتركوا العمل به، رغبة عنه، مما يدلّ على سوء فعلهم بأنفسهم، ولا تزال أيها النّبي في مستقبل الزمان تطّلع على خيانات متكررة منهم، إلا قليلا منهم ممن آمن، وحسن إيمانه كعبد الله بن سلام وأصحابه.
فاعف واصفح عما صدر منهم من إساءات، وعاملهم بالإحسان، إن الله يحب المحسنين ويثيبهم على إحسانهم، والعفو دليل النصر والظفر.
وأخذ الله أيضا من الذين قالوا: إنا نصارى ميثاقهم على مؤازرة النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ومناصرته والإيمان برسالته، ففعلوا كما فعل اليهود قبلهم، وتركوا العمل بأصول دينهم، ونسوا نصيبا مهمّا من تعاليمهم، فكان جزاؤهم إيقاع العداوة والبغضاء بين صفوفهم، فصاروا فرقا متعادين وفئات مختلفين، وستظل العداوة بينهم مستمرة لازمة إلى يوم القيامة، وسوف يخبرهم الله بما صنعوا، ويجازيهم على ما اقترفوا بقدر ما يستحقون في عالم الآخرة.
وهذا وعيد واضح توعّدهم الله بعقاب الآخرة، وتوبيخ متقدم للعذاب، إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار.