قال مقاتل: نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل، أذنب، فاستفتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأمره أن يكفّر، فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات، منذ دخلت في دين محمد.
وهذا القول منه إما استطالة بما أنفق، فيكون طغيانا منه، وإما أسفا عليه، فيكون ندما منه.
ثم عاب الله الإنسان على جهله، حيث قال الله عنه: أيظن الإنسان ومدعي النفقة في سبيل الله أن الله تعالى لم يطلع عليه، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه، وأين أنفقه؟
ولكن الله تعالى لم يترك الإنسان سادرا في صنوف الجهالة، بل زوده بما يمكنه من التمييز بين الخير والشر، بخلق مفاتيح المعرفة لديه، من أعين ولسان وشفتين وعقل نيّر، حيث قال الله تعالى عنه: ألم أمنحك أيها الإنسان الجاهل، المغرور بقوتك عينين تبصر بهما، ولسانا تنطق به، وشفتين تغطي بهما ثغرك، وتستعين بهما على الكلام وأكل الطعام؟
ألم نبين لك وندلك على طريق الخير والشر، وجعلنا لك من العقل والفطرة ما تستطيع به إدراك محاسن الخير، ومفاسد الشر، وتختار لنفسك طريق النجاة؟! وسبيل النجاة: هو اختيار الأفضل، فهلا نشط الإنسان واخترق الموانع المانعة من طاعة الله تعالى، من وساوس الشيطان واتباع الأهواء؟ وهلا جاهد لاجتياز الطريق الصعب، وأي شيء أعلمك ما اقتحام العقبة؟ إنه يكون بإعتاق الرقبة وتحريرها، أو بإطعام في يوم مجاعة يتيما فقد أباه ذا قرابة، أو مسكينا محتاجا لا شيء له، ولا قدرة على كسب المال لضعفه وعجزه، كأنه ألصق يده بالتراب، لفقد المال.
والمسغبة: الجوع العام، وذا متربة معناه: مدقعا قد لصق بالتراب، وبه يتبين أن المسكين أشد فاقة من الفقير.