زجر الله تعالى قريشا وأمثالها بأنهم متعرّضون لموطن من مواطن الهول، وأمر من الله تعالى لا محيد لبشر عنه، وهو حالة الموت والمنازعة التي كتبها على كل حيوان.

ومضمون الزجر: لا تستطيع أيها الإنسان التكذيب بما أخبرت به، حين تجد الحقيقة عيانا أمامك، وهي مفارقة الحياة وتجرّع كأس الموت. فإذا بلغت روحك تراقيك الموازية للحلاقيم، وهي جمع ترقوة، وهي العظام التي بين ثغرة النّحر والعاتق، ولكل أحد ترقوتان، والأفراد في الكثيرين جمع، فالأمر كله كناية عن حال الحشرجة ونزاع الروح. يسّره الله تعالى علينا.

وقيل حينئذ: من الطّبيب المعالج الذي يرقي المحتضر ويشفيه، وأيقن هذا الشخص الذي بلغت روحه التراقي أنها ساعة الفراق من الدنيا والأهل، لنذكر جميعا هذه الحالة. والمعنى العام: ارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة، وتنبّهوا إذا بلغت الحلقوم أو أعالي الصدر، كناية عن الاحتضار وأهواله، والموت وشدائده.

وفي حالة الاحتضار التفّت ساق الإنسان على ساقه عند نزول الموت به، فلا يقدر على تحريكها، أي ماتت رجلاه، ويبست ساقاه ولم تحملاه، واجتمع عليه أمران:

الناس يجهّزون جسده، والملائكة يجهّزون روحه.

وتساق الأرواح بعد قبضها من الأجساد إلى خالقها، ويكون المرجع والمآب إلى حكم ربّك، فإما إلى جنّة عرضها السماوات والأرض، وإما إلى نار حامية دائمة الإحراق.

وعمل هذا المحتضر المعذب بموته: هو أنه في الدنيا لم يصدق بالرسالة النّبوية ولا بالقرآن، ولا صلّى لربّه الصلاة المطلوبة منه فرضا، بل كذّب بالرسول وبما جاء به، وتولّى عن الطاعة والإيمان، وزاد على ذلك أنه ذهب إلى أهله بطرا أشرا، يتبختر ويختال في مشيته، افتخارا بتقصيره. لقد جمع بين إهمال العقيدة الصائبة، وبين إهمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015