على تلك النّعم، فإن هم أطاعوا ربّهم أثبناهم، وإن عصوه عاقبناهم في الآخرة، وسلبناهم النعمة، والاستقامة على الطريقة: على طريقة الإسلام والحق. وقوله:
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ لنختبرهم.
ومن يعرض عن القرآن أو عن الموعظة الحسنة، فلا يأتمر بالأوامر، ولا ينتهي عن النواهي، يدخله ربّه عذابا شاقّا، صعبا لا راحة فيه.
وكلمة عَذاباً صَعَداً معناه شاقّا، تقول: فلان في صعد من أمره، أي في مشقّة.
هذه أحوال الجن مع رسالة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، تتضمن كونهم أقساما وفرقا مختلفة وجماعات متفاوتة، كأحوال الإنس.
أخبر الله تعالى في سورة الجنّ عن النوع الثالث والرابع والخامس من أخبار الجنّ، الموحى به، وتتضمن الاعلام بأهمية المساجد لأداء الصلاة، وبأن دعوة النّبي صلى الله عليه وسلّم دعوة خالصة إلى الله عزّ وجلّ، وترك الإشراك به، وأنه لا يملك لأحد ضرّا ولا نفعا، وأن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن مهمته مقصورة على تبليغ الوحي المنزل عليه، وأنه لا يعلم وقت تعذيب المشركين، وإنما ذلك مختص بالله تعالى، فهذا غيب، والله تعالى هو عالم الغيب الذي لا يطلع عليه إلا من ارتضى من رسول، وأن مدّعي الغيب من الجنّ والكهان وغيرهم هم كذبة، لا يعرفون حقيقة أنفسهم، وهذا يتضح في صريح الآيات الآتية:
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22)
إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28)
«1»