ثم أنذرهم الله سبحانه بالهلاك إن داموا على الكفر، وهدّدهم بإيجاد آخرين مكانهم ليؤمنوا، فقال: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) أي فإني أقسم بمشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها كل يوم من أيام السنة، على أننا قادرون على أن نخلق أمثل منهم، وأطوع لله تعالى ممن عصوه، ونهلك هؤلاء، ولن يعجزنا شيء، ولسنا بمغلوبين إن أردنا ذلك، بل نفعل ما أردنا، لكن اقتضت مشيئتنا وحكمتنا تأخير ذلك. وهذا دليل على كمال قدرة الله تعالى على الإيجاد والإعدام، مؤكدا بالقسم. وهو تهكّم بهم وتنبيه على تناقض كلامهم، حيث إنهم ينكرون البعث، ثم يطمعون في دخول الجنة، ويقرّون بأن الله هو خالق السماوات والأرض وخالقهم مما يعلمون، ثم لا يؤمنون بأنه قادر على خلقهم مرة ثانية.
والمشارق والمغارب: هي مطالع الشمس والقمر وسائر الكواكب، وحيث تغرب، لأنها مختلفة عند التفصيل، فلذلك جمع.
ثم أمر الله تعالى رسول الله عليه الصّلاة والسّلام بالإعراض عنهم حتى يوم البعث، زيادة في التهديد، وهو معنى قوله: اتركهم يا نبي الله يتحدّثون في باطلهم، ويلهون في دنياهم، ويعاندون في تكذيبهم وإنكارهم البعث، حتى يلقوا يوم القيامة وما فيه من أهوال، ويجازوا بأعمالهم. والآية وعيد، وما فيه من معنى المهادنة منسوخ بآية السيف.
اذكر أيها النّبي يوم يقومون من القبور بدعوة الله تعالى لموقف الحساب، مسرعين متسابقين، كأنهم في إسراعهم إلى الموقف، كما كانوا في الدنيا يهرولون أو يسرعون إلى شيء منصوب، من علم أو راية. والأجداث: القبور، والنصب: ما نصب للإنسان، فهو يقصد مسرعا إليه، من علم أو بناء أو صنم لأهل الأصنام. وقد كثر استعمال هذا الاسم في الأصنام حتى قيل لها: الأنصاب.