ذواتكم وأقوالكم وأفعالكم وأموركم خافية، كائنة ما كانت، فهو تعالى يعلم السرّ وأخفى. وهذا تهديد ووعيد.
والناس بعد الحساب فريقان: سعداء أبرار، وأشقياء فجّار.
أما الأبرار: فهم الذين يؤتون كتبهم التي كتبتها الحفظة عليهم من أعمالهم، فيقول السعيد صاحب اليمين لكل من لقيه: خذوا هذا الكتاب فاقرؤوا ما فيه، لعلمه أنه صار من الناجين، بعد أن كان خائفا مضطربا كشأن أهل المحشر كلهم، كما قال تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) أي تيقّنت وعلمت أني ألقى حسابي في هذا اليوم، فيؤاخذني الله بسيئاتي، ولكنه تعالى تفضّل علي بالعفو، ولم يؤاخذني بها. والآية عبارة عن إيمان هذا السعيد بالبعث وغيره. فهو يقول: لقد علمت وأيقنت في الدنيا أني أحاسب في الآخرة، وأن هذا اليوم كائن لا محالة. قال قتادة: ظنّ هذا ظنّا يقينيا فنفعه، وقوم ظنوا ظن شك فشقوا به.
ومصير هذا السعيد: أنه بعد تلقي كتابه بيمينه هو في عيشة مرضية أو ذات رضا، خالية من المكدّرات، غير مكروهة، في جنة مرتفعة المكان، رفيعة القدر، عالية المنازل، مكانا وقدرا، دائمة السرور، ثمارها قريبة التناول لكل أحد بحسب راحته، يتناولها القائم والقاعد والمضطجع. والقطوف: جمع قطف: وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف. ودنوها: هو أنها تأتي طوع التّمني، فيأكلها القائم والقاعد والمضطجع، بفيه، من شجرتها.
ويقال لهؤلاء السعداء من الملائكة الأبرار: كلوا أيها المتّقون الأبرار في الجنّة من طيباتها وثمارها، واشربوا من أشربتها الهانئة، أكلا وشربا هنيئا، أي لا تكدير فيه ولا تنغيص، جزاء لما عملتم، وبسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الدنيا. والْأَيَّامِ الْخالِيَةِ هي أيام الدنيا، لأنها في الآخرة قد خلت وذهبت. وأَسْلَفْتُمْ قدمتم.