تعالى، وهم مع ذلك يكذبونك في دعوتك. وهذا توبيخ للكفار، لأنه لو سألهم أجرا، فأثقلهم عدم ذلك، لكان لهم بعض العذر في إعراضهم وفرارهم.
بل أعندهم علم الغيب يكتبون ما يريدون من الحجج التي يزعمون، ويخاصمونك بما يكتبونه من ذلك؟! وبعد هذا التفنيد لمواقف الكفار وشبهاتهم، أمر الله رسوله بالصبر على أذاهم وعلى تبليغ رسالته، فاصبر يا محمد على قضاء ربّك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين، وعلى أذى قومك وتكذيبهم إياك، ولا تكن ضجرا متعجلا مغاضبا مثل يونس عليه السّلام، حين ترك قومه، وركب البحر، والتقمه الحوت، ثم ندم على ما فعل، فألقاه الحوت على الشاطئ. أي لا تتصف بصفات يونس من الضجر والمغاضبة، فتبتلى ببلائه.
ولولا أن تداركه من ربّه رحمة ونعمة، بتوفيقه للتوبة وقبولها منه، فتاب الله عليه، لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات، وهو ملوم بالذنب الذي أذنبه، مطرود من الرحمة والكرامة. فاصطفاه ربّه واختاره للنبوة، وأتم عليه رسالته، حين أعاده لقومه البالغين مائة ألف أو أكثر، فآمنوا جميعا.
ثم حذّر الله تعالى نبيّه من عداوة المشركين، وترك المبالاة بحسدهم، فإنهم، أي الكفار يكادون يجعلونك بأبصارهم تزلق، وتهلك، لما سمعوا القرآن، وقولهم عنك:
إنك مجنون، تنفيرا عنك، وتحييرا في شأنك، والمعنى: أنهم وصفوه بالجنون لأجل القرآن. وما القرآن في الواقع إلا خير وبركة، وموعظة وتذكير للجن والإنس، فلا يتحمله إلا من كان أهلا له من العقلاء. قال الحسن البصري: دواء الإصابة بالعين:
أن يقرأ هذه الآية وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. الآية.