ولا ينفذ إليها خير، فأصبحوا لا يفهمون ما فيه رشدهم وصلاحهم، ولا يدركون أدلة صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رسالته.
ثم وبّخهم الله لأنهم كانوا رجالا فصحاء ووجهاء، فكان منظرهم يخدع، فإذا نظرت إليهم أعجبتك هيئاتهم، وإن تكلموا سمع كلامهم، وظنّ السامع أنه حق وصدق، لفصاحتهم، وذلاقة ألسنتهم، كأنهم في الواقع أخشاب جوفاء منخورة مستندة إلى الحيطان، ومجرد كتل بشرية لا تفهم ولا تعلم.
وهم مع جمال هيئاتهم، ومناظرهم في غاية الجبن والضعف، يظنون كل صوت عال أنه واقع بهم، لفراغهم النفسي وترددهم وقلقهم وخوفهم المسيطر عليهم، وانهزامهم الداخلي، فهم الأعداء الألدّاء، فاحذر مؤامراتهم، ولا تطلعهم أيها النّبي على شيء من الأسرار، لأنهم جواسيس للمشركين والكفار، لعنهم الله وطردهم من رحمته، وأهلكهم، كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل والضلال. وكلمة (قاتلهم) :
كلمة ذم وتوبيخ للتعجب، أو إن القتل مستعمل في اللعن والطرد، على سبيل الاستعارة التبعية لعلاقة المشابهة، في أن كلّا منهما نهاية الشدائد والعذاب.
وإذا طلب منهم بقيادة زعيمهم عبد الله بن أبي أن يأتوا لرسول الله ليطلب لهم المغفرة من الله، أعرضوا واستكبروا واستهزءوا، ورأيتهم يعرضون إعراضا شديدا، مع إمالة رؤوسهم، ويمنعون عن سبيل الله غيرهم، فلا يتركونهم يؤمنون، وذلك في حال من الاستكبار والأنفة.
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: قيل لعبد الله بن أبي: لو أتيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت فيه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ.. الآية.
وهذا دليل على إعراضهم عن الاعتذار.
والاستغفار في الواقع لا ينفعهم، فسواء استغفرت لهم أيها الرسول أم لم تستغفر