ولولا أن قضى الله عليهم بالخروج والجلاء من الوطن على هذا النحو، لعذّبهم في الدنيا بالقتل والسّبي، كما فعل ببني قريظة سنة خمس للهجرة، بعد غزوة الخندق، وكما فعل بالمشركين يوم بدر في السنة الثانية، وبيهود بني قينقاع وإجلائهم عن المدينة عقب معركة بدر الكبرى، ولهم في القيامة عذاب شديد في نار جهنم. وسبب إجلاء بني النضير: محاولتهم إلقاء صخرة من فوق سطح على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، مكان جلوسه بجوار جدار، فأطلعه الله تعالى بالوحي على مؤامرتهم، فقام ورجع إلى المدينة، وأمر بالتهيؤ لحربهم وإجلائهم عن المدينة، فحاصرهم ست ليال، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فطلبوا الصّلح على الجلاء وتحميل الإبل أموالهم إلا السّلاح.
وإنما فعل الله بهم ذلك وهو الطرد والإجلاء، وتسليط المؤمنين عليهم، لأنهم عادوا الله ورسوله، وكذبوا بما أنزل الله على رسله المتقدمين، من البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، علما بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. ومن يعادي الله ورسوله بعدم الطاعة، ويتواطأ مع المشركين، وينقض العهد أو ميثاق الصحيفة على الأمن والسّلام والتعايش الديني والاجتماعي، والاقتصادي، فإن الله يعاقبه أشد العقاب، ويعذبه في الدنيا والآخرة.
وفي أثناء الحصار:
أمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم بقطع نخل بني النضير وإحراقه، حتى لا يبقى لهم تعلّق بأموالهم وأمل بالعودة، ونادوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيب من يصنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟! فنزل قوله تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها.. الآية.
أي إن ما قمتم به من قطع النخيل وإحراقه، أو تركه قائما دون قطع، فهو بأمر الله ومشيئته، وقد أذن بذلك، لإعزاز المؤمنين، وإذلال الرافضين للطاعة، وهم اليهود، ولإخزاء الفاسقين، أي الخارجين عن الحدود، الجاحدين بما أنزل الله تعالى على رسله. واللينة: النخلة.