ثم ذكر الله تعالى آداب المناجاة، حتى لا يكون المؤمنون مثل اليهود والمنافقين، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ أي يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله- والإيمان يقتضي امتثال أمر الله، والبعد عما ينافي العقيدة- إذا تحدّثتم سرّا فيما بينكم، فلا تفعلوا مثلما يفعل الجهلة من اليهود والمنافقين، من التّناجي بالمعصية والذنب، والاعتداء على الآخرين وظلمهم، وعصيان النبي صلّى الله عليه وسلّم ومخالفته.
وتحدّثوا بما هو طاعة وترك معصية، وبما فيه خير واتّقاء الله فيما تفعلون وتتركون، فإنكم إليه تجمعون يوم القيامة للحساب، فيخبركم بأعمالكم وأقوالكم، ويحاسبكم عليها. وهذه وصية للمؤمنين بألا يكون منهم تناج في مكروه، وذلك عامّ جميع الناس إلى يوم القيامة.
ثم ذكر الله تعالى أن التّناجي والشيطان لا يضرّ أحدا إلا بإذن الله، أي إنما التّناجي بالسوء من تزيين الشيطان ووسوسته، للإساءة للمؤمنين وإيقاعهم في الحزن، بإيهامهم أنهم في مكيدة يكادون بها، وليس الشيطان أو التّناجي الذي هو منه بتحريضه، بضارّ أحدا من المؤمنين إلا بإذن الله، أي بأمره وقدره، ثم أمر الله تعالى المؤمنين بالتوكّل على الله ربّهم، وتفويض الأمر إليه في جميع شؤونهم، والاستعاذة بالله من الشيطان، وترك المبالاة بما يزيّنه من النجوى. لذا
قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه البخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يحزنه» .
منع الإسلام من التّناجي سرّا أو بالإثم والعدوان، حفاظا على الثقة والبعد عن الريبة والشك، وتبييت الغدر، والطعن، وأمر في المجالس بالتوسع، للتعاون والمحبة