فالذين صدقوا بالله ورسوله من أهل الإيمان، وأنفقوا في سبيل الله، لهم ثواب كبير واسع. وقوله: مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ تزهيد وتنبيه على أن الأموال إنما تصير إلى الإنسان من غيره ويتركها لغيره، وليس له إلا ما تضمنه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي وأحمد عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقرأ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) [التكاثر: 102/ 1] قال:
يقول ابن آدم، مالي مالي، قال: وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت» .
ثم وبّخ الله تعالى على ترك الإيمان بقوله: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ.. أي ما الذي يمنعكم عن الإيمان، والرسول محمد معكم يدعوكم إلى ذلك، فتصدقوا بربّكم، ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به، وقد أخذ العهد عليكم في عالم الذّر حين أخرجكم من ظهر أبيكم آدم، إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال، فالآن آمنوا، أو إذا دمتم على ما بدأتم به.
والغاية من إنزال القرآن: أن الله هو الذي أراد بإنزال الآيات الواضحات في القرآن وغيره، أن يخرجكم من ظلمات الجهل والكفر والتناقض، إلى نور الهدى واليقين والسعادة، وإن الله لكثير الرأفة والرحمة بعباده، حيث أنزل الكتب، وبعث الرسل، لهدايتهم.
وأي شيء يمنعكم من الإنفاق في طاعة الله ومرضاته والجهاد لأجل إعلاء كلمته؟
وكل الأموال والثروات صائرة إلى الله تعالى، إن لم تنفقوها في حياتكم، كرجوع الميراث إلى الوارث، ولا يبقى لكم منه شيء، فالمال مال الله، ولا تساوي بين من أنفق في سبيل الله قبل فتح مكة وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل، أولئك الأولون أعظم درجة من الآخرين، لأن حاجة الناس كانت حينئذ أكثر، والعدد أقل