أخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في البعث عن عطاء ومجاهد قالا: لما سأل أهل الطائف الوادي يحمى لهم، وفيه عسل، ففعل، وهو واد معجب، فسمعوا الناس يقولون: في الجنة كذا وكذا، قالوا: يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي، فأنزل الله: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) الآيات. وهم أصحاب المرتبة المتوسطة، ومنهم عصاة المؤمنين بعد مجازاتهم على معصيتهم أو العفو عنهم.
المعنى: عطف الله تعالى في بيانه على بيان جزاء السابقين المقرّبين: ما أعدّه لأصحاب اليمين الأبرار، الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، فإن منزلتهم دون المقرّبين، ولكن في درجة عالية في الجنة، فهم أصحاب الميمنة، وما أدراك ما هم، وأي شيء هم، وما حالهم ومآلهم؟! وهذا يشير إلى التفخيم والانتباه للتعرّف على حالهم، فجاء البيان المفصل لما أبهم من حالهم، فقال الله تعالى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) أي يتمتعون في جنات فيها شجر يشبه شجر السّدر: وهو من العضاة له شوك، وأما سدر الجنة فهو على خلقة سدر الدنيا، له ثمر كقلال هجر، طيب الطعم والريح، ووصفه تعالى بأنه مخضود، أي مقطوع الشوك الذي لا أذى فيه.
ولهم أيضا مثل الطّلح: وهو كذلك من العضاء شجر عظيم كثير الشّوك، ولكن طلح الجنة على صفات كثيرة مباينة لحال الدنيا، ومنضود معناه: مركب ثمره، بعضه على بعض من أرضه إلى أعلاه.
أخرج البيهقي عن مجاهد قال: كانوا يعجبون بوج (واد مخصب بالطائف) وظلاله وطلحة وسدره، فأنزل الله: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وهم في ظلال وارفة دائمة الظّل، وحولهم ماء جار لا ينقطع، ويتناولون من أنواع