ساق الله تعالى في قرآنه قصص الأقوام السابقين، وعيدا لقريش وضرب مثل لهم، ومن أقدم هذه القصص: قصة نوح عليه السّلام مع قومه، فإنهم كذبوه، وزجروه عن تبليغ الدعوة بالسب والرد القبيح والتخويف، ووصفوه بأنه مجنون.
فاستنجد بربه، فأجابه، ودمّر القوم بالطوفان. وهذه هي نهاية الظلمة الذين عارضوا الرسل، وقاوموا الدعوة إلى الله ووحدانيته، واتبعوا الأهواء، وصدوا عن سبيل الله، سبيل الحق والعدل وتوحيد الله، فكان لا بد من التذكير بقصتهم للاعتبار والاتعاظ، كما يبدو في هذه الآيات:
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [القمر: 54/ 9- 17] .
هذه القصة من قصص أربع في هذه السورة وعيد للمشركين حين نزول الوحي، على تكذيبهم رسولهم نوحا عليه السّلام، فلقد كذبت قبلهم قوم نوح بالرسل، حيث كذبوا عبد الله نوحا عليه السّلام، واتهموه بالجنون، وزجروه عن دعوة النبوة وتبليغها بأنواع الأذى والتخويف. قوله: عَبْدَنا تشريف وتنبيه على أنه هو الذي حقق العبودية لله، فلم يكن على وجه الأرض في وقته عابد سواه، فكذبوه.