فالجئوا إلى أمر الله، بالدخول في الإيمان وطاعة الله تعالى، فإني لكم منذر واضح الإنذار، ومخوّف من عذابه وعقابه. ولا تشركوا مع الله إلها آخر سواه، فإن الإله المعبود بحق: هو واحد، ولا تصلح العبادة لغيره.
وعبر الله تعالى عن الأمر بالإيمان والطاعة بلفظ الفرار، لينبه على أن وراء الناس عقابا وعذابا وأمرا، حقه أن يفر منه، فجمعت لفظة (فروا) بين التحذير والاستدعاء.
ثم نهى الله تعالى عن عبادة الأصنام والشياطين، وكل مدعو من دون الله تعالى، وفائدة تكرار قوله تعالى: إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ الإبلاغ وهزّ النفس وتحكيم التحذير.
وكما كذّبك قومك من العرب أيها الرسول، ووصفوك بالسحر أو الجنون، فعلت الأمم المتقدمة التي كذبت رسلها، فهذا شأن الأمم في القديم، ولست أنت وحدك الذي كذّب.
ومن العجب كأن أفراد الأمم أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب، وتواطؤوا عليه، والواقع أنهم لم يتواصوا بذلك لتباعد زمانهم، لكنهم قوم طغاة، جمعهم الطغيان:
مجاوزة الحد في الكفر. وهذا توقيف وتعجيب من توطؤ نفوس الكفرة في تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، مع تباعد أزمانهم، لكنهم فعلوا فعلا كأنه فعل من تواصى. والعلة في ذلك أن جميعهم طاغ، والطاغي: المستعلي في الأرض المفسد العاتي على الله تعالى.
فأعرض عنهم أيها الرسول، وكفّ عن جدالهم، فقد فعلت ما أمرك الله به، وبلّغت الرسالة، فما أنت بملوم عند الله بعد هذا؟ وليس عليك إلا البلاغ.
أخرج ابن منيع وابن راهويه والهيثم بن كليب في مسانيدهم عن علي رضي الله