المطلوب سلما بغير سلاح، كان مسرفا في الزيادة، وإن تعين السلاح، فعل حتى الفيئة.
فإن رجعت الفئة الباغية عن بغيها، ورضيت بأمر الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم، وتؤدي ما يجب عليها للأخرى، حتى لا يتجدد القتال بينهما مرة أخرى، واعدلوا أيها الوسطاء في الحكم بينهما، إن الله يحب العادلين ويجازيهم أحسن الجزاء. وهذا أمر بالعدل في كل الأمور، روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما- فيما
أخرج ابن أبي حاتم والنسائي- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ، بين يدي الرحمن عز وجل، بما أقسطوا في الدنيا» .
ثم أمر الله بالإصلاح في كل نزاع، لأن الله جعل بين المؤمنين أخوة في الدين، يجمعهم أصل واحد، وهو الإيمان، فيجب الإصلاح بين كل أخوين متنازعين، وقاعدة الإصلاح قائمة على تقوى الله، لذا أمر الله بعدئذ بالتقوى في هذا الإصلاح وفي كل أمر، بأن يلتزم الجميع بالحق والعدل، والبعد عن الظلم، ورقابة الله وخشيته، فإن المتنازعين إخوة في الدين، والإسلام سوّى بين جميع المؤمنين، لعلكم ترحمون أيها المتخاصمون بسبب التقوى: وهي التزام الأوامر، واجتناب النواهي، وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ إنما المفيدة للحصر: تفيد أنه لا أخوة إلا بين المؤمنين، لأن الإسلام هو الرباط الجامع بين أتباعه، وهذا يدل على أن أخوة الدين أقوى وأمتن وأخلد من أخوة النسب، كما ذكر القرطبي وغيره.
وليست الفئة الباغية كافرة، قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أمشركون هم أهل صفّين والجمل؟ قال: لا، من الشرك فرّوا، قيل: أفمنافقون؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا.