الذين كفروا بالله ورسوله، ومنعوكم أيها المسلمون من الطواف بالبيت الحرام، وأنتم أحق به وأهلوه، وصدوا الهدي (ما يهدى إلى الحرم من الأنعام) محبوسا في مكانه، عن بلوغ محل ذبحه، بغيا وعدوانا، وكان الهدي مائة أو سبعين بدنة (ناقة أو جمل) . ومحلّه: موضع نحره الذي يذبح فيه عادة، وهو منى، أو الحرم المكي، فصار محل الإحصار (المنع من دخول مكة) على طريق الرخصة محلّا للنحر، وكان ذلك خارج الحرم. وتم عقد صلح الحديبية بين سهيل بن عمرو مفاوض قريش، وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم، على أن يعود الرسول عنهم، ويعتمر من العام القابل، فهذا كان صدّهم إياه.
وعلة صرف المسلمين عن القتال وعدم تمكينهم من دخول مكة: حماية أهل الإيمان سرا، وهو أنه كان بمكة مؤمنون، رجال ونساء، خفي إيمانهم، فلو استباح المسلمون أرض مكة، أهلكوا أو قتلوا أولئك المؤمنين، فتصيبهم من جهتهم مشقة وأسى أو مكروه، خطأ بغير قصد ولا علم، لوقوع القتل جهلا، فيقول المشركون:
إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم، فدفع الله تعالى عن المشركين ببركة أولئك المؤمنين، وقد يدفع الله تعالى بالمؤمنين عن الكفار.
وقوله تعالى: أَنْ تَطَؤُهُمْ أي لولا وطؤكم قوما مؤمنين، فهي على هذا في محل رفع، أو هو منصوب بدلا من ضمير لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أي لم تعلموا وطأهم أنه وطء مؤمنين.
ولكن كفّ الله أيديكم عنهم وحال بينكم وبين قتالهم، ليخلص المؤمنين من أسرهم، وليدخل في رحمته من يشاء، فيدخل كثير منهم الإسلام.
لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا وذهبوا عن مكة، وانفصل بعضهم عن بعض، لعذب الله الذين كفروا عذابا مؤلما وهو القتل، بأن نسلطكم عليهم، فتقتلوهم قتلا شديدا.