وتوالت آيات التذكير لفرعون وقومه، فما يريهم الله تعالى من آية إلا هي أعظم من سابقتها في الحجية عليهم، والإدلال على صحة الدعوة إلى التوحيد. فلما لم يعدلوا عن ضلالهم، أخذهم الله أخذ قهر بإنزال العذاب عليهم، بسبب تكذيبهم بتلك الآيات، لكي يرجعوا عن كفرهم، ويؤمنوا بالله وحده لا شريك له، ويطيعوا موسى فيما أمر ونهى. وقوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ترج بحسب معتقد البشر وظنهم. ويرجعون معناه: يتوبون ويقلعون عن معاصيهم.
وكانوا كلما جاءتهم آية وصفوها بالسحر، وقالوا لموسى عليه السّلام: يا أيها الساحر العالم- وكانوا يسمون العلماء سحرة- ادع لنا ربك لكشف العذاب عنا بما أخبرتنا به من عهده إليك، فإننا بعدئذ لمؤمنون بما جئت به. فدعا موسى ربه، فكشف عنهم العذاب، فلما رفع عنهم العذاب، نقضوا عهدهم، وعادوا لكفرهم.
وازداد فرعون في عتوه وطغيانه، ولجأ إلى التفاخر بالملك والسلطان والثراء، فقال: يا قوم، أليس لي ملك مصر العظيم، فلا ينازعني فيه أحد، والسلطة المطلقة لي، ونهر النيل وجداوله تجري من تحت قصري وأمامي في بساتيني، أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك؟! ثم بل أنا خير وأفضل بما لي من الملك والسلطة والغنى والجاه من موسى الضعيف الحقير، الذي لا يكاد يبين الكلام، لما في لسانه من لكنة أو عقدة، وهذا بحسب علمه الماضي، ولم يدر أن الله تعالى أزال عقدته. ثم قارن فرعون نفسه مع موسى مقارنة الغني المترف المتفاخر بماله، فقال: فهلا حلّي موسى بأساور الذهب إن كان عظيما، أو جاء معه وفد من الملائكة مقترنين متتابعين يحرسونه إن كان صادقا؟
فاستهان فرعون بعقول قومه ورعيته، ودعاهم إلى الضلالة، فاستجابوا له،