وسبب التفرق في الدين، ليس بسبب الدين ذاته، فإن أتباع الأديان لم يتفرقوا في اتباع الحق إلا بعد قيام الحجة عليهم، وبعد أن علموا أن الفرقة ضلالة، وبعد العلم الذي جاءهم: وهو ما كان حصل في نفوسهم من علم كتب الله تعالى، فبغى بعضهم على بعض حبا في الزعامة والرئاسة، وانحيازا للعصبية وشدة الحمية، وحفاظا على مراكز القوة والنفوذ والزعامة، والمكاسب المادية، وبغيا وحسدا، وليس بسبب الرسالات والحجج.
ولولا القضاء السابق من ربك بتأخير مجازاتهم إلى الآخرة لعجل لهم الله العقوبة في الدنيا، ولفصل بينهم في الدنيا، وغلب المحق على المبطل، وهؤلاء المتفرقون: هم كل مدعو إلى الإسلام من كفار العرب، واليهود والنصارى وغيرهم. أما العرب:
فكانوا يتمنون بعثة نبي لهم، فلما أرسل الله تعالى لهم محمدا صلّى الله عليه وسلّم كفروا به، كما جاء في آية أخرى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) [فاطر: 35/ 42] .
وأما أهل الكتاب: فعبرت آية أخرى أيضا عن سبب تفرقهم وهي: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) [البينة: 98/ 4] .
وإن ورثة الكتاب الإلهي المعاصرين لمحمد صلّى الله عليه وسلّم من اليهود والنصارى لفي شك موقع في الريبة والقلق من كتابهم، لأنهم لم يتبعوا الحق، وإنما قلّدوا رؤساء الدين، واتبعوا الأسلاف والآباء بلا دليل ولا حجة وبرهان، وهم في حيرة من أمرهم، فلم يؤمنوا برسالة خاتم النبيين، ووصف الشك بالمريب: مبالغة فيه.
هذه دعوة صريحة لأهل الأديان وغيرهم إلى وحدة الدين الإلهي، ونبذ الفرقة والخلاف، والالتقاء في مظلة واحدة تسعد البشرية جمعاء، وتنشر المحبة والود والإخاء في أنحاء الأرض قاطبة.