فقوله تعالى: فَإِذا قَضى أَمْراً يراد به إنفاذ الإيجاد وإظهار المخلوق، وإيجاد الموجودات هو بالقدرة الإلهية، واقتران الأمر بالقدرة: هو عظمة في الملك، وإظهار للقدرة، وتخضيع للمخلوقات. وبه يتبين أن إيجاد المخلوق يعتمد على أمرين: الأمر الالهي بالإيجاد، وتلبّس القدرة الالهية بإيجاده وإظهاره، لا قبل ذلك، ففي حال العدم لا يظهر الشيء إذ لا يوجد الأمر، ولا شي بعد الإيجاد، لأن ما هو كائن، لا يقال له: كن.
الحياة الإنسانية إما أن تزدان وتسمو بمواقف الحق والجرأة والإيمان، وإما أن تهبط وتنحدر بمواقف الباطل والكفر والخذلان، والناس بين هذين الموقفين في مرصد التاريخ، فإن كانوا من أصحاب الموقف الأول، خلّد التاريخ ذكرهم، وكانوا أسوة الأجيال، وإن كانوا من أصحاب الموقف الثاني طواهم التاريخ، ولم يذكروا إلا للعبرة والشماتة، وهكذا كان المعارضون لدعوة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ورسالته عبرة للتاريخ، فإنهم جادلوا بالباطل في شأن الرسالة النبوية والكتاب الذي جاء به، وكذبوا بهما، فاستحقوا ويلات العذاب، كما تصف هذه الآيات الشريفة:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
«1» «2» «3»