أنهم يموتون على الكفر. ومثل تصميمهم على الكفر كمثل المكبّل في الأغلال لا يستطيع فعل شيء ولا يبصر شيئا. وهذا المثل: إنا جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالقيود، تمنعهم من فعل شيء حتى صاروا مرفوعي الرؤوس، خافضي الأبصار، أي إنهم كالمطوّقين بالقيود في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يستطيعون توجيه أنظارهم إلى شيء.
وتأكيدا لما سبق في تصوير حالتهم: أنهم بتعاليهم عن النظر في آيات الله جعلوا كالمضروب عليهم السدّ، المحيط بهم من الأمام والخلف، ومنعوا من النظر، فهم لا يبصرون شيئا، ولا ينتفعون بخير، ولا يهتدون إليه.
أخرج ابن جرير الطبري عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا لأفعلن، فأنزل الله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا إلى قوله: لا يُبْصِرُونَ فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول: أين هو، أين هو؟ لا يبصر. فالآية مستعارة المعنى من منع الله إياهم وحوله بينه وبينهم، وهذا أرجح الأقوال، لأنه لما ذكر الله أنهم لا يؤمنون في العلم الأزلي، جعلوا في حالة من المنع، وإحاطة الشقاوة كالمضروب عليهم السد، وتشبه حالهم حال المغلوبين.
ونتيجة لهذا التطويق، يستوي أيها النبي إنذارك لهؤلاء المصرّين على الكفر، وعدم الإنذار، فهم لا يؤمنون، ولا ينفعهم الإنذار.
إنما ينفع إنذارك الذين آمنوا بالقرآن العظيم، واتبعوا أحكامه وشرائعه، وخافوا عقاب الله قبل حدوثه، وقبل رؤية الله، فهؤلاء بشرّهم بمغفرة لذنوبهم، وبأجر كريم وفير على أعمالهم وهو الجنة.
ثم أكد الله تعالى تحقيق الجزاء في عالم الآخرة بقوله: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى أي إننا قادرون على إحياء الموتى، وبعثهم أحياء من قبورهم، ونحن الذين نكتب لهم كل ما قدّموه من عمل صالح أو سيّئ، وكل ما تركه من آثار طيبة أو خبيثة.