حليم غفور، يمهل عقاب المشركين، ويغفر لمن تاب منهم، ويمسك السماء والأرض عن الزوال، وقوله: أَنْ تَزُولا معناه كراهة أن تزولا، ولئلا تزولا. ومعنى الزوال هنا: الانتقال من مكانها والسقوط من علوها. وقوله تعالى إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ: فيه حذف مضاف تقديره: من بعد تركة الإمساك.
وأقسم كفار قريش بالله أغلظ الأيمان أو طاقتها وغايتها: لئن جاءهم من الله رسول منذر، ليكونن أهدى وأمثل من أي أمة من الأمم السابقة، فلما أتاهم الرسول النذير وتحقق ما تمنّوه، وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أنزل معه من القرآن، ما ازدادوا إلا كفرا، وتباعدا وإعراضا عن الإيمان، تكبرا عن اتباع آيات الله، ولجوءا إلى سوء المكر، بصدّ الناس عن سبيل الله تعالى، ولكنهم أخفقوا، فما يعود وبال المكر إلا على أنفسهم دون غيرهم، وعوقبوا على مكرهم وإثمهم العقاب المناسب، فهل ينتظرون إلا عقوبة لهم على تكذيبهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كعقوبة الأمم الماضية الذين كذبوا رسلهم؟! وتلك سنة الله- أي عادته- وطريقته، التي لا تتغير ولا تتبدل في كل مكذب، ولا تحويل لسنة الله في العذاب من مكذب كافر إلى غيره. والمعنى: أنه لا بد من أن يحيق بهم العقاب، إما في الدنيا، وإما في الآخرة، فعاقبة الفساد تعود لهم. وهذا وعيد بيّن.
وسبب نزول الآية: أن قريشا قالوا: لو أن الله بعث منا نبيا، ما كانت أمة من الأمم أطوع لخالقها، ولا أسمع لنبيها، ولا أشد تمسكا بكتابها منا. وبعد هذا التوعد، ذكّرهم الله بما رأوا من آثار التعذيب في طريق الشام وغيره، كديار ثمود ونحوها، أفلم يتنقلوا في الأرض في رحلاتهم إلى الشام واليمن والعراق، فيشاهدوا مصير السابقين الذين كذبوا الرسل، كيف دمّر الله عليهم، على الرغم من أنهم كانوا أشد من قريش قوة، وأكثر عددا وعدّة، وأكثر أموالا وأولادا، ولم يكن الله ليفوته