وقل كذلك أيها النبي للمشركين: جاء الدين الحق، وهو الإسلام الذي سيعلو على كل الدنيا، وآيات القرآن، وما يصنع الباطل شيئا، والباطل: الكذب والكفر.
ونحوه، استعار له الإبداء والإعادة، ونفاهما عنه.
وقل أيضا أيها الرسول لأهل الشرك: إن انحرفت عن الهدى ودين الحق، فإن إثم انحرافي على نفسي، وإن وفّقت للحق، فبسبب ما أوحى إلي ربي من الهداية والتوحيد والاستقامة، إنه سبحانه تام السمع لقولي وقولكم، قريب مني ومنكم، يعلم الهدى والضلالة، ويجازي كل إنسان بما يستحق.
ولو رأيت أيها النبي هؤلاء الكفار حين خافوا عند البعث والنشر من القبور، ثم الحشر، وعند رؤية ألوان العذاب الشديد، لرأيت العجب، فهم لا يتمكنون من الهرب والنجاة، ويؤخذون فورا من مكان قريب إلى نار جهنم، أي إنهم قريبون من ذلك لتناول القدرة الإلهية لهم حيث كانوا. فتدل الآية على معنى التعجب من حالهم، إذا فزعوا من أخذ الله إياهم، ولم يتمكن أحد منهم من الإفلات.
وقال الكفار حين الأخذ للعذاب: لقد آمنا بمحمد صلّى الله عليه وسلم وشرعه والقرآن، ولكن كيف لهم تعاطي الإيمان أو نيله، وقد بعدوا عن محل قبوله، أي أنّى لهم تناول مرادهم، وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك. وكيف يظفرون بالإيمان في الآخرة، وقد كفروا بالحق والقرآن والرسل في الدنيا؟ وكانوا يرجمون بالظن بقولهم: سحر وافتراء وغير ذلك، ويتكلمون بلا حجة ولا برهان، ويرمون بظنونهم الرسول وكتاب الله، وذلك غيب عنهم. وحيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا، وبين ما طلبوه في الآخرة، فمنعوا منه. والمراد أنه حيل بينهم وبين الإيمان، والتوبة، والرجوع إلى الأمانة والعمل الصالح، لأنهم اشتهوه في وقت لا تنفع فيه التوبة.