الرازق لكم من السماوات بإنزال المطر، ومن الأرض بالنبات والثروات المعدنية ونحوها، وإننا نحن أو إياكم إما مصيب أو مخطئ، والمصيب واحد، والآخر مخطئ أو مبطل، وهذا أسلوب في غاية اللطف والأدب في المحاورة، لاستدراج الخصم إلى النظر في حاله وحال غيره، وهي دعوة إلى الحرية واختيار المخاطب ما يحقق له المصلحة، والاعتراف بخطئه وإصابة غيره. والمراد: أن الخطأ واضح في وصف المخاطبين، كما تقول لمن خالفك في مسألة: أحدنا مخطئ، أي تثبّت وتنبّه.
وقل أيها الرسول أيضا للمشركين على سبيل المهادنة والمتاركة: لستم أنتم مسئولين عنا إن أخطأنا أو أجرمنا في عبادة الله وحده، ونحن لا نسأل عما تعملون من خير أو شر، ومعنى هذا التبري منهم، فلستم منا ولا نحن منكم، ودعوتنا واضحة إلى توحيد الله، فإن أعرضتم فنحن برآء منكم.
وقل كذلك يا نبي الله للمشركين: إن ربنا يجمع بيننا يوم القيامة في ساحة الحساب، ويقضي بيننا بالحق والعدل، والله هو القاضي العادل الحاكم بالصواب، العالم بحقائق الأمور، ويجزي كل عامل بعمله.
قل يا نبي الله لهم أيضا: أروني هذه الآلهة التي اتخذتموها أندادا ونظراء لله، حتى أشاهدهم، وأشاهد ما يقدرون عليه، الحق واضح، كلا، أي فارتدعوا عن ادعاء المشاركة، فلا شريك لله، بل هو الله الواحد الأحد، الغالب القاهر، الحكيم في أفعاله وأقواله وشرعه.
وليعلموا أننا أيها النبي أرسلناك رسولا للناس قاطبة، العرب والعجم، الأبيض والأسود، مبشرا الطائع بالجنة، ومنذرا العاصي بالنار، لكن أكثر الناس لا يعلمون بعموم الرسالة النبوية ولا بمهمة التبشير والإنذار، ولا بخطورة الضلال. ويتساءل المشركون تهكما وتعنتا: متى الوعد الذي تعدنا به وهو قيام الساعة إن كنتم صادقين