من القوم من قام، وقعد ثلاثة، ثم انطلقوا، فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنهم انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ.. الآية.
والحكم الثاني: هو حجاب زوجات النبي، فكما نهيتكم عن الدخول إلى بيوت النبي من غير إذن، ودون انتظار نضج الطعام، كذلك نهيتكم عن النظر إلى زوجات النبي صلّى الله عليه وسلم، فإذا طلبتم منهن شيئا من الأمتعة، كالمواعين وسائر مرافق الدين والدنيا، فاطلبوه من وراء حجاب ساتر. ذلك الحجاب أطهر وأطيب للنفس، وأبعد عن الريبة، لقلوبكم، وقلوبهن، أي أطهر من الهواجس ووساوس الشيطان.
وذلك لأنه لم يصح لكم أن تؤذوا رسول الله وتضايقوه، كالبقاء في منزله، والاشتغال بالحديث، وانتظار نضج الطعام، ويحرم عليكم أبدا التزوج بنسائه بعد الفراق بموت أو طلاق، تعظيما له، إن إيذاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم وزواج نسائه من بعده ذنب عظيم وإثم كبير. والبعد عن الإيذاء سرا وعلنا مطلوب، فإنكم إن تظهروا شيئا من الأذى أو تكتموه، فإن الله تام العلم به، يعلم السرائر والخفايا، والظواهر والأحوال كلها.
ثم استثنى الله من حكم حجاب أزواج النبي: المحارم، فلا إثم ولا حرج على زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم في ترك الحجاب أمام الآباء والأبناء، بسبب النسب أو الرضاع، والإخوة وأبناء الإخوة والأخوات، وأمام النساء المؤمنات، والأرقاء من الذكور والإناث، بعدا عن الحرج والمشقة في ذلك بسبب الخدمة. ودخل الأعمام في الآباء.
والمرفوع فيه الإثم بهذه الآية: هو الحجاب كما قال قتادة، أي يباح لهذه الأصناف الدخول على النساء دون الحجاب، ورؤيتهن. وقال مجاهد: ذلك في وضع الجلباب وإبداء الزينة. ثم مع الإلزام بالحجاب أمر الله نساء النبي بالتقوى، وتوعد على المخالفة